fbpx
أخبار السويدعدنان أبو شقرةمجلة ألوان أوروبا - العدد الثالث

انتخابات السويد وتداعياتها – عدنان أبو شقرة

انتخابات السويد وتداعياتها.. لم يكن مؤسسو الديمقراطية السويدية الحديثة، من ليبراليين واشتراكيين، يتخيلوا يوماً أنه بعد مئة عام وعام, سيصل حزب ذو أصول نازية ويصبح ثاني أكبر حزب سياسي في السويد. وأن أبناء هؤلاء الليبراليون سيتحالفون ولو بشكل غير مباشر مع هؤلاء المتطرفين اليمينيين.

ولم يكن لنتائج الانتخابات السويدية سابقاً اي تداعيات خارجية تُذكر، سوى ترحيب الأحزاب الأشتراكية والمحافظة في الدول الأوروبية ذات التقارب الايديولوجي معهم. حتى داخلياً، فالتداعيات لا تكون عادةً كبيرةً، خصوصاً أن الأحزاب السويدية متفقة على الإستمرار بتأمين شبكة الأمان الإجتماعي الذي توفره  الدولة لمواطنيها واحترام الديمقراطية وأطرها.

اما هذه الانتخابات الأخيرة، قد يكون لها تداعيات خارجية وداخلية، خصوصاً أن حزب ديمقراطيو السويد ذو الأصول النازية، أصبح ثاني أكبر حزب، وقد وصل إلى السلطة وسيكون له اليد في تقرير سياسات الحكومة المقبلة.

لكن قبل الحديث عن التداعيات، لا بُدَّ من الإجابة على سؤالٍ، وهو كيفية حصول حزب ذو توجهات نازية لم يكن يحصل على اكثر من واحدٍ ونصف بالمئة منذ ثلاثين سنة، أن يحصل في الإنتخابات الإخيرة على أكثر من عشرين بالمئة من مجموع الأصوات.

عدنان أبو شقرة سياسي وصحفي سويدي من أصول فلسطينية
عدنان أبو شقرة سياسي وصحفي سويدي من أصول فلسطينية

هناك الكثير من القضايا التي ركّز عليها حزب ديمقراطيو السويد اثناء حملته الإنتخابية وأدت إلى صعوده  بشكلٍ خاص واليمين بشكلٍ عام، وهي:

– كان الأنجح في استخدام مواقع التواصل الإجتماعي والإعلام.

– مهاجمته سياسة الحكومة اليسارية، بما يخصُ قضية اللجوء، واعتبرها سياسة خاطئة أدت بدورها إلى زيادة

الجريمة.

– استغلاله لإرتفاع معدلات الجريمة المنظمة قبل الإنتخابات، ومنهما، عمليتي اطلاق النار في مجمع “الأمبوريا” في مدينة مالمو، وفي الحديقة العامة في مدينة إسكلستونا، واللتيني كان لهما تأثير كبير على الرأي العام السويدي.

الذي أرعبه أطلاق النار على أبرياء، في مناطق كانت تعتبر أمنة، إضافة إلى العديد من التفجيرات التي وقعت في عدة مدن. لتعمّق الخوف، وعدم الشعور بالأمان لدى الناس، خصوصاً عند الناخبين الشباب الذين يشاركون للمرة الأولى في الانتخابات.

– إستغلال موضوع عدم اندماج الكثير من المهاجرين في المجتمع السويدي.

– محاولات حرق القرآن المتنقلة، التي حدثت بفترة قصيرة قبل الإنتخابات، واستغلاله لم نتج عنها من مواجهات

بين الشرطة والمهاجرين المسلمين.

– إتهام جزء من العمال العاطلين عن العمل، خصوصاً في المهن الحرة والمحلات التجارية، أن المهاجرين كانوا سبباً لتركهم العمل واتهامهم لهؤلاءالمهاحرين بالعمل بطرق غير شرعية مما يساعدهم على التهرب من دفع الضرائب.

– السياسات الخاطئه للحزب الاشتراكي والمتحالفين معه والتي أدت الى اتساع الهوة الإقتصادية في المجتمع حيث ازداد الأغنياء غنى والفقراء فقراً.

– إرتفاع أسعارالمشتقات البترولية والطاقة الكهربائية غير المسبوقة التي أثقلت كاهل السويديين بالرغم من أن  السويد من الدول المصدرة للطاقة الكهربائية.

– قضايا سكان القرى الصغيرة، هذه القرى التي أقفلت المحال التجارية فيها وتم توقيف المواصلات اليها وإغلاق مراكز الإستشفاء وغيرها، تريد أن تخوض تجربة أحزاب أخرى في الحكم. وللعلم فهذه النقطة ليس لها ارتباط بوجود المهاجرين في هذه القرى.

– التحالف الهجين بين الإشتراكيين الديمقراطيين وحزب الوسط صاحب السياسية الاقتصادية الليبرالية المتوحشة.

– تحول الحزب الإشتراكي من حزب الطبقة العاملة والحريص على تساوي الفرص بالمجتمع, الى حزب كُلّ هدفه

البقاء في  السلطة.

– دفاع حزب ديمقراطيو السويد عن الناس العاديين ومهاجمة الطبقة السياسية الحاكمة.

– وأخيراً، عدم تصويت ومشاركة المهاجرين بالانتخابات الأخيرة، مما أفقدهم نسبة التمثيل الحقيقي مقارنة بعددهم الحقيقي في المجتمع.  فنسبة التصويت عند المهاجرين لم تصل الى 62 بالمئة، بينما كانت 83 بالمئة على صعيد السويد. مما يعني أن مئات الآلاف من الأصوات التي لم تشارك في الإنتخابات ذهبت هدراً، مما ساعد حزب ديمقراطيو السويد والأحزاب اليمينية على الحصول على هذه النسبة العالية في الإنتخابات.خصوصاً أن مصلحة الاحصاء قد ذكرت أن الأقل تصويتاً في الانتخابات السويدية هم القادمون من أسيا.

وأن الاستثناء عند المهاجرين كان الصوماليون الذين سجلوا نسبة عالية في التصويت والسبب بحسب رئيس جمعية السلام الصومالية هشام عبدالكريم هو اسماع صوتهم المعارض للجريمة المنظمة  والرهاب من الاسلام والرهاب من الأفارقة.

تداعيات الانتخابات داخلياً وخارجياً

بعض التداعيات الداخلية على المجتمع السويدي، أتت نتائج الانتخابات لتعمق الإنقسام الحاد في المجتمع السويدي بين يمين ويسار، بين نازيين عنصريين، ومتسامحين وانسانيين، بين قوميين متطرفين وأنسانيون متحابين. خصوصاً أن وجود المئات من المتطرفين والعنصرين في حزب ديمقراطيو السويد، أكد على أن هذا الحزب لا يمكن أن يكون مثل باقي الاحزاب المؤمنة بالديمقراطية. وأن قام الحزب بطرد الكثير من أعضاءه الذين جاهروا بعنصريتهم، إلّا إن هناك عدد كبير من أعضاءه يؤمنون بالافكار العنصرية.

ومن التداعيات المباشره كذلك، أن سمعة السويد، التي بُنيت على الإستقرار السياسي والإقتصادي، وعلى محبتها للسلام ودورها الإنساني في مساعدة المحتاجين في العالم، تشوهت، وهذا ما عبرت عنه بعض الدول إضافة إلى الكثير من الصحافة العالمية. خصوصاً أن هناك بعض السياسيين السويدين من يخشى أن تتم مقاطعة الكثير من سياسي أوروبا وأميركا من النشاطات السياسة إذا شارك بها نواب حزب ديمقراطيو السويد. كما حدث عندما انضم حزب الشعب اليميني النمساوي للحكومة في سنة 1999، والتي تم على إثرها مقاطعة الحكومة النمساوية من قبل الإتحاد الأوروبي لمدة ستة اشهر. خصوصاً ان حزب ديمقراطيو السويد، سيترأس أربعة لجان مهمة في  مجلس النواب، منها لجنتي العلاقات الخارجية والعدل.

وبتماه مع الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، يعتبر حزب ديمقراطيو السويد الصحافيون اعداء للأمة السويدية. وأن هناك الكثير من قيادات الحزب عبّر عن احتقاره للديمقراطية وعن إعجابهم برؤساء كبوتين والأسد ورئيس  وزراء هنغاريا اوربن. زاد هذا من غضب الصحفيين والمثقفين على الحزب وعلى رفضهم قبوله كحزب مثل باقي الاحزاب الديمقراطية.

تقديم إقتراح قوانين من قبل حزب ديمقراطيو السويد، تقوض ديمقراطية السويد والامن القانوني للمواطنين، مثل، طرد عوائل مهاجرة اذا ما ارتكب أحد أفراد هذه العائلة جريمة. وتشديد العقوبات على مرتكبي الجرائم دون سن الثامنة عشر خصوصاً إن أغلب مرتكبي الجرائم هم دون سن الثامنة عشر. هذا الإقتراح تلاقى عليه حزب المحافظين والمسيحيين الديقراطيين حتى ولو أدى ذلك الى انتهاك معاهدات دولية ومنها معاهدة حماية الأطفال.

التداعيات الداخلية على المهاجرين

أفضل تعبير عن رؤية الحكومة الجديدة المتوقع تشكيلها من حزب المحافظين وحزب المسيحيين الديمقراطيين رغم عدم الإعلان عن ذلك وموضوع المهاجرين، هو ما قاله جيمي أوكّيسون رئيس حزب ديمقراطيوالسويد في مهرجان إنتخابي في مدينة هلسنبوري في 22 أب الماضي، من أن “السويد كانت بلداً عظيماً، وبلداً امناً، وبلداً ناجحاً، ويمكن أن تكون كل هذه الاشياء مرة أخرى”. وأضاف قائلاً،” حان الوقت لمنحنا فرصة لجعل السويد عظيمة مرة أخرى”. وبحسب قوله يكون ذلك عبر، رفض سياسة اللجوء غير المسؤولة السابقة والتي أدت الى زيادة الجريمة وأعمال العنف،ودعا الى تقليص عدد طالبي اللجوء إلى الصفر. الحزب الوحيد الذي يمكن أن يبدي بعض المعارضة فيما يخص موضوع اللاجئين هو الحزب الليبرالي لذلك يرفض حزب ديمقراطيو السويد بضمه الى الحكومة.

ويربط اليمين المهاجرين بالمشاكل الإجتماعية والإقتصادية والجريمة. ويعتبرون إن الإسلام السياسي عدو للبلد دون تحديد ما المقصود بالإسلام السياسي. كذلك يتوقع أن تسّن الحكومة الجديدة عقوبات أطول وأشد على مرتكبي الجرائم وترحيل من لا يملك الجنسية السويدية.

ويجب أن لا يغيب عنا ما عبّرت عنه الأحزاب الثلاثة الذين ينوون تشكيل الحكومة وهم المسيحي الديمقراطي ديمقراطيو السويد والليبراليين عن دعمهم المطلق للإحتلال الإسرائيلي لفلسطين. كما ويطالبون بإلغاء الإعتراف بدولة فلسطين، ونقل السفارة السويدية إلى القدس، ووقف المساعدات السويدية لفلسطين. رغم هذه المواقف المؤيدة لإسرائيل ترفض القيادة الإسرائيلية اي تواصل مع حزب ديمقراطيو السويد لأنهم يعتبرون هذا الحزب له أصول نازية.

كما ستعمل الحكومة الجديدة على عدم منح تراخيص جديدة للمدارس الدينية، وسيكون التركيز الأكبر على منع المدارس الاسلامية. لكن بالرغم من إعلان أحزاب التحالف الأربعة “المحافظون والليبراليون والمسيحيون الديمقراطيون وديمقراطيوالسويد “أن المفاوضات بينهم تسير بشكلٍ جيد إلّا أن الخلاف بين الحزب الليبرالي وحزب ديمقراطيو السويد يمكنان يسقط الحكومة.

في كل الأحوال، لا تستطيع أي حكومة تغيير أي قانون إلّا بعد عملية تصويت تتم على مرحلتين  من قبل مجلسي نواب منتخبين في دورتين متتاليتين. لذا ليس هناك خوف على الديمقراطية في السويد. مما يعني ان الكثير من المقترحات المتطرفة التي قدمها حزب ديمقراطيو السويد لن ترى النور. ومن المؤكد انه ستكون هناك حزمة من القرارات التي تستهدف المهاجرين لكنها لن تكون بمفعول رجعي يطال قوانين سابقة. ومنذ إعلان نتائج الانتخابات أعلنت الأحزاب اليسارية إضافة الى حزب الوسط انهم سيكونوا معارضة فعّالة ضد الحكومة. كما أعلنت نقابات العمال إنها ستستمر بسياساتها التي تمنع أعضاء حزب ديمقراطيو السويد المتطرف من العمل نقابياً.

يمكنكم قراءة: المهاجرون بين التأثير و التهميش السياسي – عدنان أبو شقرة

نحن كمهاجرين وكمستهدفين ما هو الدور الذي يمكن أن نلعبه؟

على كل النشطاء والسياسين والقانونيين والإعلاميين متابعة ما يجري والعمل على فضح أي قرارات جائرة، ومتابعتها إعلامياً وقانونياً. إضافة إلى أن نكون أكثر فعّالية في الأحزاب التي ننتمي إليها او أن ننسّق مع هذه الأحزاب إذا كنا خارجها، وأن نتواصل مع السياسيين لعرض وجهات نظرنا.

هناك كثيرون ممن لم يشارك بالعملية الإنتخابية إما لنقص في المعلومات عن أهمية صوتهم وأضهمية مشاركتهم في العملية الديمقراطية وكيفية التصويت في الإنتخابات. وقد يكون ذلك أيضاً لصعوبة فهم اللغة او لغياب الثقة بالسياسة والسياسيين. وهذا ما يحتّم على نوادي وجمعيات المهاجرين والمراكز الدينية أن تقوم بدور تثيقيفي عن العملية الديمقراطية وأعمية المشاركة في الإنتخابات حتى لا تذهب مئات الآلاف من الأصوات هدراً، كما حصل مؤخراً مما ساعد اليمين على الوصول للحكم بنسبة عالية.

ان تنوع المهاجرين الإثني والفكري والديني هو إثراء غني يمكن أن يُستفاد منه لخدمة المهاجرين أنفسهم والمجتمع، لذلك علينا أن نكون أكثر فعّالية ووعياً وعطاءاً في المجتمع الذي أصبح جزءاً أساسياً في حياتنا وأصبحنا جزءاً منه.

منصة ألوان أوروبا الإعلامية

زر الذهاب إلى الأعلى