fbpx
ثقافةمجلة ألوان أوروبا - العدد الأول

قراءة في كتاب… قواعد العشق الأربعون

قواعد العشق الأربعون رواية صدرت للكاتبة التركية إليف شافاق

قواعد العشق الأربعون هي رواية صدرت للكاتبة التركية إليف شافاق سنة 2009 في 500 صفحة والتي لاقت شهرة واسعة و ترجمعت لأكثر من ثلاثين لغة.

تدور أحداث الرواية في زمنين مختلفين تنقلت بينهما الكاتبة بسلاسة لرسم جسر يربط الحكاية الأولى و هي عن سيدة أربعينية تدعى إيلا في نورثامبتون بولاية ماساشوستس الأمريكية حيث تعيش مع عائلتها في الزمن الحاضر سنة 2008، مع الحكاية الثانية و هي عن جلال الدين الرومي بقونية التركية في القرن 13 و عن قصة لقائه بمرشده الروحي شمس الدين التبريزي و كيف جسدا معا قواعد العشق الإلهي.

في نورثامبتون تبدؤ الأحداث حيث تعيش إيلا روبنشتاين حياة هادئة ملؤها الدفء و الاحترام مع عائلتها، لم تشعر إيلا من قبل بنشوة الحب في زواجها ذلك أنها تختلف كثيرا عن زوجها ديفيد، إلا أن طبعها الهادئ منعها من المجازفة و البحث عن الحب و ظل تركيزها دائما على العناية بأطفالها و بيتها إلى أن عُينت في وكالة أدبية لمراجعة المؤلفات و كتابة تقارير عنها، و كان أول عمل لها على رواية بعنوان : “الكفر الحلو ” لكاتبها عزيز زاهارا.

فما سر رواية ” الكفر الحلو ” ! و كيف قلبت حياة إيلا رأسا على عقب!

تستفتح رواية الكفر الحلو في تبريز حيث كبر و ترعرع شمس الدين و ما لبث أن راودته الرؤى و الأحلام حتى هجر منزله و أصبح درويشا متنقلا يعيش من تفسير الأحلام و قراءة الكف و عاش على هذه الحال حتى مطلع ربيع 1242 أين دعا شمس التبريزي في نفسه أن يجد الشخص المناسب ليكون رفيقه و لينقل له الحكمة فجاءت الإجابة سريعا في حلم يخبره بأن يذهب إلى بغداد و هناك سيجد رفيق دربه فانقاد وراء الرؤية حتى وصل تكية في بغداد و أقام فيها أياما عديدة.

 

وخلال إقامته هناك جاء رسول إلى التكية يحمل رسالة من السيد سعيد برهان الدين في القيصرية إلى صاحب التكية في بغداد، يخبره فيها عن تلميذه جلال الدين الرومي، الفقيه الذي عرف بحمكته و دهائه في قونيه، و أنه بمثابة زعيم روحي هناك و لكن رغم نجاحه ظل يشعر بفراغ روحي أرّق كاهله، فأسر الرومي إلى السيد سعد برهان الدين برؤية رآها تبشره بوجود رفيق دربه المنشود تحت سقف تكية في بغداد!

و كانت الصدفة أن شمس قد رأى نفس الحلم هو الآخر من قبل!.

 

كان على صاحب التكية أن يعرض الأمر على الدراويش فكان شمس التبريزي أكثرهم تحمسا و إصرارا للذهاب و خوض هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر . و بعد أخذ و رد طوال أشهر عديدة وافق سيد التكية على الرحلة و انطلق شمس التبريزي نحو قونية في ديسمبر 1243.

في هذه الأثناء تأخذنا الكاتبة شافاق عبر الزمن لتعود لقصة إيلا سنة 2008 التي استمرت في قراءة رواية الكفر الحلو و أرادت أن تتعرف على كاتبها، السيد عزيز زهارا، فبحثت عنه واستطاعت أن تصل إليه عبر بريده الإلكتروني و بقيت في تواصل معه تبوح له بمشاكلها مع عائلتها، فنشأت بينهما حوارات شاعرية و صوفية فتحت قلب إيلا للحب و فتحته أكثر أحداثُ الرواية التي بين يديها، الأمر الذي أشارت إليه شافاق في القاعدة الثانية للعشق :” إن الطريق إلى الحقيقة يمر من القلب لا من الرأس، فاجعل قلبك لا عقلك دليلك الرئيسي. واجه، تحد وتغلب في نهاية المطاف على النفس بقلبك”.

 

إلى القرن 13 تعود بنا أحداث الرواية حيث كان شمس التبريزي متجها إلى قونية و خلال رحلته تعرف على الكثير من الناس و ترك فيهم أثرا بأقواله و تصرفاته الغريبة يخبرهم بما يؤمن به من انعكاس محبة الله على النفس و الحياة.

وجاء اليوم الذي التقى فيه شمس الدين بجلال الدين الرومي، حيث كان جلال الدين يمشي وسط جموع من عامة الناس حتى استوقفه شمس التبريزي و راح يطرح عليه أسئلة روحانية أدرك من خلالها الرومي أنه عثر على رفيقه الذي يكمله، فصب النهران في محيط العشق الإلهي!

 

استضاف جلال الدين الرومي رفيقه في منزله حتى أصبح فردا من عائلته، و كان على الرومي أن يواجه محيطه و يتحمل نظرات الناس إزاء صحبته لشمس الذي ظل يستخرج من باطن رفيقه الحب الإلهي الخالص و المتنزه عن المظاهر و آراء الناس مختبرا إياه بمواقف جمة! كأن يطلب منه الذهاب للمخمرة و يختبر ثقته به.

 

و هنا تأتي القاعدة الثانية و العشرون والتي تقول:

“عندما يدخل عاشق حقيقي لله إلى حانة، فإنها تصبح غرفة صلاته، لكن عندما يدخل شارب الخمر إلى الغرفة نفسها، فإنها تصبح خمارته. ففي كل شيء نفعله قلوبنا هي المهمة، لا مظاهرنا الخارجية.”

و قضى شمس و جلال الدين الرومي أوقاتا كثيرة في جلسات التأمل و رقص الدراويش والحوارات اللامنتهية، فتجاوزا معا الحواس إلى ما وراءها و ما لا يدركه عوام الناس!
و لكن صحبتهما لم ترُق الناس و اعتبروا شمسا دخيلا أفسد إمامهم و فقيههم الرومي فحيكت له المكائد و الألاعيب.

وبالعودة للقرن21 وأثناء قراءتها للرواية أصبحت إيلا أكثر تعطشا للحب و كأن الرواية كُتبت لها و شيئا فشيئا اتقدت المشاعر بينها و بين صاحب الرواية “عزيز ” الذي ظل في تواصل معها الى أن التقت به و يا للعجب كان يشبه تلك الصورة التي رسمتها لشمس التبريزي في مخيلتها!

في المقابل كانت رواية الكفر الحلو قد شارفت على الانتهاء، ففي أحد الليالي تسلل لبيت الرومي سبعة رجال خططوا من قبل لقتل شمس التبريزي و ما هي إلى سويعات حتى طعنوه و ألقوه في جوف البئر فمات هناك تراكا وراءه الروميّ مكسور الظهر يكتب أشعارا و يستذكر قواعد العشق الإلهي التي كتبها مع رفيقه الراحل موقنا أنه مع رحيل كل درويش يولد درويش آخر في مكان ما..

أما إيلا فاختارت في النهاية أن تسافر برفقة عزيز ليقضيا معا بقية حياتهما، و اكتشفت أن شمس التبريزي لم يمت فعلا، بل يتكرر في شخصية حبيبها عزيز، و لكن و بعد انقضاء سنة استسلم جسد عزيز لفراش المرض!

 

فظلت إيلا معه تغدقه بحبها إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة بقونية التركية التي اختارها كآخر مكان يقيم فيه..

 

وختمت إليف شافاق روايتها بالقاعدة الأربعين “لا قيمة للحياة من دون عشق” حيث و بعد وفات عزيز لم تعد إيلا للعيش مع أسرتها في أمريكا كما كان متوقعا بل اختارت أن تقضي بقية حياتها في شقة صغيرة في أمستردام تفعل ما تحب و تتبع ما يمليه عليها قلبها دون أية خطط !

قواعد العشق الأربعون، رواية محبوكة بأسلوب مشوق وكذا عبقرية في السرد و التضمينات التاريخية و الدينية، تحت أربعين قاعدة موزعة على كامل فصول الرواية، تلخص التصوف و العشق الإلهي بشاعرية لامتناهية من خلال قصة الرومي و شمس، و كيف امتدت معاني و ابعاد الحب الذي وصل إلى قلب إيلا. تنوعت فيها أساليب السرد على ألسنة شخصياتها.

وفي الأخير أحببنا أن نذكر لكم بعضاً من قواعد العشق الأربعون التي جمعتها إيليف شافاق في روايتها الرائعة:

  1.  إن الطريقة التي نرى فيها الله ما هي إلا انعكاس للطريقة التي نرى فيها أنفسنا، فإذا لم يكن الله يجلب إلى عقولنا سوى الخوف والملامة فهذا يعني أن قدرًا كبيرًا من الخوف والملامة يتدفق في نفوسنا، أما إذا رأينا الله مفعمًا بالمحبة والرحمة فإننا نكون كذلك.
  2. السعي وراء الحب يغيرنا، فما من أحد يسعى وراء الحب إلا وينضج أثناء رحلته، فما أن تبدأ رحلة البحث عن الحب، حتى تبدأ تتغير من الداخل والخارج.
  3. إن الماضي تفسير والمستقبل وهم. إن العالم لا يتحرك عبر الزمن وكأنه خط مستقيم، يمضي من الماضي إلى المستقبل. بل إن الزمن يتحرك من خلالنا وفي داخلنا، في لوالب لا نهاية لها. إن السرمدية لا تعني الزمن المطلق بل تعني الخلود.
  4. إن الله ميقاتي دقيق، إنه دقيق إلى حد أن ترتيبه وتنظيمه يجعلان كل شيء على وجه الأرض يتم في حينه، لا قبل دقيقة ولا بعد دقيقة. والساعة تمشي بدقة شديدة بالنسبة للجميع بلا استثناء، فلكل شخص وقت للحب ووقت للموت.
  5. قيمة للحياة من دون عشق. لا تسأل نفسك ما نوع العشق الذي تريده، روحي أم مادي، إلهي أم دنيوي، غربي أم شرقي .. فالانقسامات لا تؤدي إلا إلى مزيد من الانقسامات. ليس للعشق تسميات ولا علامات ولا تعاريف. إنه كما هو نقي وبسيط. العشق ماء الحياة، والعشيق هو روح من نار !يصبح الكون مختلفًا عندما تعشق النار الماء.

 

يمكنكم تصفح العدد الثالث من مجلة ألوان أوروبا | اضفط هنا

زر الذهاب إلى الأعلى