fbpx
غادة الرّيانمجلة ألوان أوروبا - العدد الثاني

انتزاع الطفل من ذويه، حماية له أم انتهاك لحقه ولحق الأسرة؟

سحب الأطفال من أسرهم في السويد قضية تصدرت مؤخراً اهتمام الجاليات العربية في أوروبا، بعد تداول منشورات ومقاطع فيديو غير رسمية تظهر بعضها عمليات سحب الشرطة السويدية لأطفال من أسر عربية ومهاجرة بالقوة، وبعضها الآخر تناولت شكاوي الأسر واتهامهم للسلطات السويدية باختطاف أطفالهم من دون حق.

وبعد انتشار القضية بشكل واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي وبعض الوكالات الإخبارية العربية والأوروبية، أصدرت وزارة الخارجية السويدية في فبراير من العام الجاري بياناً رسمياً قالت خلاله أن المملكة تتعرض لحملة أخبار مزيفة، معتبرةً أن إجراءات سحب الطفل من أسرته تأتي ضمن شروط واضحة ينص عليها قانون حماية الأطفال وأن هذه الإجراءات تضع في المقام الأول سلامة ورفاه الطفل. ورغم وجود قوانين مشابهة في أوروبا إلا أن الإحصاءات تشير إلى أن نسبة الأطفال المسحوبين من ذويهم في السويد هي الأعلى مقارنة مع الدول الأخرى.

فما هي إذن الأبعاد القانونية المستند عليها وما مدى كفاءة آليات التحقيق التي تتبعها مؤسسة الشؤون الاجتماعية وما طبيعة شرعيتها؟

في الواقع ومنذ عقود طويلةـ عملت دول مختلفة ومنظمات على تحديد ضوابط ومعايير دولية تعنى بحماية الأطفال وحقوقهم، بدءا من تبني عصبة الأمم لإعلان جنيف في عام ١٩٢٤ الذي أوصى بحفظ جملة من حقوق الطفل منها الحقوق الاجتماعية، مروراً بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي خصص الأمهات والأطفال في المادة ٢٥ بالحق في الرعاية الخاصة والحماية الاجتماعية. تُوجت هذه الجهود بشكل بارز بعد أن خصصت الجمعية العامة للأمم المتحدة الأطفالَ باتفاقية حقوق الطفل عام ١٩٨٩، والتي أكدت على توفير رعاية خاصة للأطفال في مجالات متعددة منها المجالات السياسية والمدنية والاجتماعية.

وتحدد الاتفاقية وتضمن معايير دنيا لحماية حقوق الأطفال في جميع مواقعهم. تؤكد الأمم المتحدة في هذه الاتفاقية على أن الأسرة هي وحدة أساسية للمجتمع والبيئة الطبيعية لنمو ورفاهية جميع أفرادها وبخاصة الأطفال، وتشير إلى وجوب منحها الحماية والدعم اللازمين لتمكين دورها وقيامها بمسؤولياتها داخل المجتمع. إضافة إلى ذلك، تولي الاتفاقية لعام ١٩٨٩ أهمية بالغة لترعرع الطفل ضمن بيئة أسرية سليمة في جو من السعادة والمحبة والتفاهم، وتؤكد على “وجوب مراعاة أهمية تقاليد كل شعب وقيمه الثقافية لحماية الطفل وترعرعه ترعرعاً متناسقا”[1]. وتحظى اتفاقية حقوق الطفل بإجماع عالمي، فكل دول العالم تقريبا أطرافاً في الاتفاقية.

تعتبر السويد من أوائل الدول التي صادقت على الاتفاقية، ودخلت جميع بنودها حيز التنفيذ القانوني عام ٢٠٢٠ بعد إجماع البرلمان السويدي على اعتمادها. إضافة إلى ذلك، أسست هيئة حكومية تدعى امبودسمان Ombudsman  متخصصة بحقوق الطفل، التي تلعب دوراً مهماً في تمثيل مصلحة الطفل ومراقبة تطبيق قوانين حمايته، وتقديم توصيات لتعزيز وتحسين حماية الطفل في السويد. أما مراقبة البيئة التي ينشئ بها الأطفال والتأكد من حماية هذه البيئة لصحته النفسية والجسدية عن كثب تقع على عاتق مؤسسة الشؤون الاجتماعية أو ما يدعى ب “السوسيال”.

تملك مؤسسة الشؤون الاجتماعية سلطة انتزاع الطفل من والديه في حال تلقي أي معلومة تفيد بتعرض الطفل لخطر نفسي أو عنف جسدي والتأكد من ثبوتها في التحقيق، وتحيل الطفل بحكم إداري إلى دار رعاية اجتماعية أو إلى عائلة مضيفة إلى أن يتم البت بالحالة قضائياً، أو قد تكتفي بتنبيه الوالدين وتوجيههم تربوياً مع إبقائهم تحت المراقبة في حال لم تثبت تحقيقاتهم صحة الشكوك.

أثارت في الآونة الأخيرة شكاوي الأسر المهاجرة إلى السويد عن انتزاع أطفالهم بغير حق تساؤلات قانونية حول كفاءة آليات التحقيق التي تتبعها مؤسسة الشؤون الاجتماعية وعن شرعيتها. تستند السلطات السويدية في تطبيق هذا الإجراء على قانون رعاية الطفل من عام 1982 والذي يمكن لمكتب الرعاية الاجتماعية بموجبه إبعاد الطفل فوراً عن أبويه في حال ثبوت انتهاكات لا تشكل بالضرورة خطراً حاداً على سلامة الطفل.

 يتطلب إجراء التحقيق من الموظف الاجتماعي إلى موضوعية وواقعية كبيرة مع أخذ كل قوانين حماية الطفل بعين الاعتبار، التي يقع في محورها أهمية وجود الأسرة في النشأة السليمة للطفل مع مراعاة الفروق الثقافية لكل أسرة والإقدام على سحب الطفل فقط في الحالات القصوى.

 إلا أن شهادات عدة تؤكد انتهاك مؤسسة الشؤون الاجتماعية لبنود اتفاقية الطفل عام ١٩٨٩، وذلك بانتزاعها الطفل من أسرته كخطوة أولية وتبنيها معايير منقوصة غير شفافة أثناء التحقيق في أهلية الأبوين وقدرتهم على حماية طفلهم. ورد على سبيل المثال تطبيق نظرية “التعلق” في التحقيقات التي لم تحظ على إجماع علمي عن فعاليتها ودقتها.

تقيس النظرية قدرة البالغين على التواصل مع الأطفال بناء على ردة فعل الطفل بشكل أساسي والتي عادة ما تكون مزاجية، وإسناد قرار سحب الطفل وعدم أهلية الأبوين على نتائج النظرية بشكل أساسي.

إضافة إلى ذلك، يتم ترجيح افتقار موظفي الهيئة الاجتماعية إلى الكفاءة والمعرفة القانونية الكافية كسبب رئيس لعدم فعالية وضعف التحقيقات المتبعة من قبل الهيئة. يتم البت بالحالة قضائياً من قبل المحكمة، إلا أن المحكمة الضالعة والمؤهلة لتطبيق التشريعات القانونية لا تمارس دورها في التحقيق، وإنما تعتمد بشكل أساسي على نتائج تحقيق هيئة الشؤون الاجتماعية.

ينص القانون السويدي لرعاية الأطفال والشباب، المعروف باسم LVU في السويد، على ضرورة توجيه العائلات وإعادة تأهيلهم وتدريبهم على وسائل التعامل المثلى مع الطفل ووسائل التربية الحديثة. يولي القانون أهمية لهذه الخطوات الاحترازية تأكيداً على دور القانون في حماية الطفل ضمن عائلته إن أمكن، حيث إن العائلة هي البيئة الأنسب لنشئة أي طفل. لكن على الرغم من وجود هذه الخدمة، فإنه لا يتم تفعيلها أو استخدامها مع العائلات قبل اتخاذ قرار نزع أطفالها.

تبعاً لإحصائيات متداولة، بلغت حالات فصل الأطفال عن عائلاتهم ٧٩٠٠ حالة خلال العام ٢٠١٩ ، منها ٤٨٠٠ حالة تخص أطفالاً من أصول سويدية، و ٣١٠٠ حالة تشمل أطفالاً من أصول مهاجرة، مما يدل على اتباع آلية متشابهة في إجراءات سحب الأطفال، بعكس ما يتم تداوله عن تعمّد الهيئة الاجتماعية لسحب أطفال العائلات المهاجرة والمسلمة منها على التحديد. إلا أن هناك حاجة ملحة إضافية في تفعيل السويد للدعم والتدريب للعائلات المهاجرة، وذلك نسبة إلى الفجوة بين المعايير المجتمعية وأساليب التربية بين كلاً من الطرفين. وبناء على ما تم ذكره، يتوجب على لجنة حقوق الطفل التي تم اعتمادها في اتفاقية حقوق الطفل البدء بتحقيق فوري لفحص مدى التزام السويد كدولة طرف.

[1]  ديباجة اتفاقية حقوق الطفل عام ١٩٨٩

 

غادة الريان، ناشطة حقوقية حاصلة على دبلوم في الاقتصاد والقانون من مدرسة بيرن لإدارة الأعمال، سويسرا. | منصة ألوان أوروبا

زر الذهاب إلى الأعلى