fbpx
المرأةدعاء تللومجلة ألوان أوروبا - العدد الثالث

طبيبات عربيات في المهجر الأوروبي

طبيبات عربيات جئن إلى السويد ليس بحثاً الثراء أو الربح السريع، بل سعياً إلى الاستقرار ومطاردة أحلامهن بالنجاح في المجالات التي يردنها، وذلك عبر رغبتهن في تعديل شهادتهن أو الدارسة من جديد وتقديم أنفسهن إلى سوق العمل بطريقة مختلفة.

 لم يكن الطريق سهلاً أبداً على حدّ قولهن، فصعوبة التأقلم في بلد جديد مع عادات وتقاليد مختلفة جعلت بعضهن يضطررن لقبول أعمال بعيدة عن اختصاصهن وذلك لتحقيق دخل مناسب يمكنهن من استئجار سكن وتحمل مصاريف حياتهن، لكن مع وجود فارق مفصلي هنا وهو عدم التخلي عن احلامهن.

طبيبات عربيات في المهجر
طبيبات عربيات في المهجر

 

لمى شاهين- طبيبة اسنان

خلال لقائنا مع الدكتورة لمى لإعداد هذا التقرير تقول الدكتورة: نشأت في إحدى ضواحي مدينة دمشق وتحديداً في أشرفية صحنايا وأكملت تعليمي الجامعي كطبيبة أسنان في جامعة دمشق في الفترة من عام ٢٠٠١ وحتى العام ٢٠٠٧.

أجبرتني الظروف الاقتصادية السيئة آن ذالك على الانتقال للعمل في السعودية، حيث الراتب كان مغري والظروف كانت مواتية من أجل تأسيس أسرة وإنجاب اطفال.

بعد المحاولات المتكررة لاجهاض الثورة السورية عام ٢٠١٣، وسوء الأحوال كثيرة، شعرنا بأنه يجب أن نبحث على مكان آمن لنا ولأطفالنا، وعندها قررنا أنا وزوجي البحث عن بلد بديل لينشأ في طفلانا يارا ٥ سنوات وكريم ٣ سنوات. بلد أكثر انفتاحا. 

وتقارن الدكتورة لمى بين الطب في سورية والسعودية والسويد فتقول: في البلد الأم كان من الصعب الحصول على أبسط المقومات للعيش المحترم، على سبيل المثال صعوبة أخذ قرض بنكي لتأسيس عيادة أما في السعودية كان الوضع الاقتصادي جيد والعمل بالنسبة لي كطبيبة سورية محصور فقط في مجمعات خاصة او حكومية ولا يحق لي فتح عيادة خاصة. العلاقة مع صاحب العمل لم تكن تربطها قوانين منصفة في اغلب الاحيان ولا يوجد مجال للتطوير كشراء معدات جديدة على سبيل المثال.

أما في السويد وبعد قدومي إليها لم أتوقع أن يأخذ تعديل الشهادة والعمل بمجالي وقت طويل. وامتدت الفترة الى خمس سنوات تقريباً. قد يكون ارتباطي بعائلة ووجودي في منطقة ريفية بعيدة عن المدن الكبرى سبب في ذلك. لكنني في نفس الوقت ممتنة لتعرفي على أشخاص سويديين دعموني بشكل كبير من بداية قدومي الى هذا البلد.

بدأنا في تطوير علاقتنا الاجتماعية وتعرفنا على معلمة زوجي في مدرسة اللغة ثم تطورت صداقتنا واستقبلتنا في بيتها ودعتنا لاستئجار ثم لشراء أحد منازلها في المنطقة وبهذا كان أول أحلامنا كشراء منزل خاص بنا أنا و زوجي قد تحقق بالفعل..

تعرفت فيما بعد على طبيب أسنان سويدي صاحب عيادة خاصة في منطقة قريبة أثناء فترة دراستي للغة السويدية. طلبت منه هو وزوجته مكان لأتدرب فيه على المحادثة ووافقوا على الفور.

بدأت العمل كمتدربة على اللغة عام ٢٠١٦ ومن ثم كممرضة مساعدة اثناء فترة دراستي لتعديل الشهادة.

نجحت في امتحانين العملي والنظري في جامعة كارولينسكا في ستوكهولم، ثم خضعت لفترة تدريب كطبيب أسنان عام ٢٠٢٠ كل ذلك كان تحت إشراف وتوجيه طبيب الاسنان نفسه.

في عام ٢٠٢١ بدأت العمل كطبيبة اسنان وفي عام ٢٠٢٢ قمت بشراء العيادة من الطبيب الذي أصبح زميل وصديق. لايزال الطبيب وزوجته وابنه يعملون في نفس العيادة ونعيش كعائلة واحدة.

وتضيف الدكتورة لمى: العمل كطبيبة أسنان في السويد يتخلله مسؤولية عالية وقوانين صارمة تتعلق بسلامة المريض وبيئة العمل الملائمة. في نفس الوقت عندما يعمل الإنسان بجد وصدق يحصل على الاحترام والوضع الاقتصادي الجيد وحتى ثقة العديد من المرضى الممتنين لوجوده وأداء عمله بإخلاص.

كما تقول إ، مجال التطوير واسع من خلال الاتصال المباشر مع الاختصاصيين في كل مشكلة تعترض الطبيب والسعي من أجل حلها. كما يوجد نقابات محترمة وزملاء يعرضون المساعدة والاستشارة الدائمة.

كذلك التأمين الطبي الالزامي للمرضى والتعويض في حال فشل المعالجة يعطي هامش من الأمان والراحة النفسية للطبيب عندما يحاول أفضل ما عنده في حل حالة صعبة ثم تفشل.

وتختم الدكتورة لمى حديثها لمنصة ألوان أوروبا قائلة: إن العمل في المجال الطبي في السويد رغم مسؤوليته العالية هو ممتع ويفتح الباب أمام التعرف على ثقافة جديدة من خلال العلاقة الاجتماعية مع المرضى والتعرف على حياتهم.

الابتسامة الدائمة، الهدوء والانفتاح لكل المواقف اليومية التي تواجه الانسان.

تعلمت من الطبيب السويدي الذي أعمل معه إلى الآن الايجابية العالية ورؤية الإيجابيات وليس السلبيات في كل موقف مهما كان سيئاً. العمل مع البشر ومساعدتهم تحدي كبير ولكنه رسالة راقية في هذه الحياة.

 وكنصيحة أود بشكل اساسي التركيز على تعلم اللغة السويدية الواضحة للقدرة على إيصال الفكرة الصحيحة من أجل فهم المريض لكافة مراحل العلاج وأخذ موافقته. بالإضافة إلى تقبل الآخر ووجهات النظر الجديدة، التواضع والاعتراف بالـخطاء كذلك الصدق بالتعامل.

وأوصي بالجد والاجتهاد والصبر، لأن الدراسة ليست بالموضوع السهل وخاصة في مهن حساسة كالطب بكل فروعه فهي مسؤولية كبيرة يجب أن نكون قادرين على اثبات ذاتنا في هذا المجال. كذلك سوف اكون داعمة وشمعة منيرة لارسم الطريق لغيري في هذا المجال.

 

عامرة عدرة- طبيبة تخدير

كذلك التقينا بالدكتورة عامرة عدرة والتي حدثتنا عن رحلتها مع الطب، قائلة: درست الطب البشري في سورية في جامعة حلب وحصلت على اختصاص التخدير من وزارة الصحة السورية. عملت في اختصاصي لمدة عشر سنوات قبل ان نضطر للهجرة من سورية في عام 2013 بسبب الظروف المعروفة للجميع في سورية. كان هدفنا الحصول على مكان آمن ولم يكن لدينا خطة للذهاب إلى السويد أو أي بلد أوروبي.

لم نستطع الدخول إلى السعودية أو الإمارات العربية المتحدة حينها بدأنا نفكر بالهجرة إلى أوروبا. ولم يكن القرار سهلاً وركوب البحر مع أطفالنا الصغار، لكن كان أملنا الوحيد حينها الحصول على الأمان والعيش بكرامة وأيضاً أن نحصل على لقمة عيشنا بجهدنا.

أحببت منذ صغري أن أصبح طبيبة في المستقبل وقد بذلت قصارى جهدي في دراستي في جميع المراحل حتى أصل لهدفي وقد استطعت ذلك بفضل الجد والمثابرة والإصرار. 

وعن تجربتها في السويد تقول الدكتورة عامرة: واجهنا الكثير من التحديات عندما انتقلنا إلى السويد وكان أكبرها فيما يتعلق بعملي، هو اللغة. كان علي أن أتعلم لغة جديدة وأجتاز امتحانات وفي بلدي لم نكن معتادين على استخدام المصطلحات الطبية باللغة الانكليزية وهذا كان من أبرز التحديات.

أما بالنسبة للتحدي الآخر كان موضوع الأتمتة والحواسيب، لم نكن معتادين كأطباء على استخدام أنظمة المعلوماتية والحواسيب مقارنة مع التي تستخدم هنا فيها السويد.

هذا بالإضافة لنقص المعلومات في السويد والحاجة بشكل شبه دائم لمرشد وموجه وخاصة في الأعوام الأولى. فتنقلنا كثيراً بين مدن السويد حتى وصلنا إلى ما نسعى إليه.

كان تعامل المجتمع السويدي معي بالمجمل جيد ومرحب بي مع بعض الاختلاف بين بعض المناطق وأماكن العمل. لكن عدم وجود الخبرة مع أشخاص لهم نفس وضعي كانت المشكلة الأكبر، لذلك كان يجب دائما أن أسأل وأحاول اكثر من مرة للوصول إلى المعلومة المرادة.

وتضيف الدكتورة عامرة: من المؤكد أان هناك اختلاف بين الدراسة والعمل في السويد عن سورية، ففي المراحل الجامعية الأولى يركز على العلوم النظرية بينما بحسب ما سمعت من طلاب الطب هنا أنه كذلك يتم إتاحة المجال للطلب لتلقي العلوم التطبيقية ومتابعة أحدث البرامج والعمليات.

كما يمتاز العمل في السويد بأنه منظم وعدد ساعاته محدودة بينما في سورية كان الطبيب يعمل عدد ساعات أطول بالمجمل في المشافي العامة والخاصة وفي العيادات.

ومن خلال هذه السنوات استطاع العديد من ذوي الأصول المهاجرة الوصول والعمل في المجال الطبي ويوجد أسماء مشرفة ولامعة تساهم بشكل كبير في هذا القطاع في بلدنا الجديد.

عملت في عدة مقاطعات في السويد واتبعت دورات تدريبية وحضرت مؤتمرات علمية واختصاصية تعلمت منها الكثير وصقلت خبراتي وتجاربي وأرى الفرصة كبيرة لمن يجد ويكافح ويريد أن يحقق هدفه وأود بالتاكيد تشجيه السيدات من أصول مهاجرة على الدراسة والعمل في هذا المجال.

 

آلاء محمد صيدلانية

تحدثنا الصيدلانية الشابة آلاء محمد عن رحلتها مع دراسة الصيدلة قائلة: نشأت في مخيم سبينة في دمشق، وهو حي متواضع شعبي، كان طموحي دراسة الطب البشري، لكن بسبب القوانين والمعدلات الغير عادلة لم استطع تحقيق حلمي في دراسة الطب ، فلم يكن لي غير اختيار مجال قريب لذلك .

اخترت دارسة الصيدلية لحبي للأدوية والكيمياء وشغفي في كل الأشياء التي تتعلق بجسم الانسان والامراض وعلاجتها.درست في الجامعة السورية الدولية خمس سنوات وقبل التخرج من السنة الخامسة اضررنا للنزوح بسبب ظروف اعتقال اخي وتهجرينا قصراً من منزلنا.

لم يكن لدينا خيار آخر، كان علينا فقط البحث عن بلد أمن يمنحنا الاستقرار والانتماء، من خلال الاعتراف بنا كمواطنين حقيقين وعدم حرماننا من حقوقنا الإنسانية كأن يكون لنا أوراق رسمية دائمة وليس إقامات مؤقتة.

لعل أبرز التحديات كانت هي الاندماج في المجتمع دون الوقوع في فخ الانحلال، فهم المجتمع السويدي وعاداته وتقاليده لم يكن سهلاً او مستحيلاً. عملت في عدة مجالات كمدرسة للغة الام، وموجهه دراسية ومستشارة رعاية في الصيدليات.

تلك الاعمال لن تنسيني حلمي بالحصول على شهادة جامعية، بل كانت تدفعني للأمام وخاصة في المواقف الصعبة. ومن التحديات الكبرى كانت في نظام وطريقة التعليم التي تركز على مادة واحدة بشكل مكثف كل شهر، بالإضافة إلى اعتماد الطالب على العمل بمشاريع تصقل هذه المادة من خلال مجموعات.

وتضيف الدكتورة آلاء، اللغة أيضا كانت من التحديات ولكن تخطيناها بالاجتهاد والسعي، أما عن المجتمع السويدي فكان متعاون وداعم. بحكم دراستي في سوريا باللغة الانكليزية كان من السهل المضي أسرع، خصوصاً اتقاني للمصطلحات الطبية التي كانت باللغة اللاتينية.

أود القول أن الطريق كان صعباً بالتاكيد لكن لم يكن مستحيلاً. لنكون جزء من المجتمع يجب علينا التقدم والحصول على شهادات جامعية تقوي من مكانتنا كمهاجرين في بلدنا الجديد.

الآن ادرس ماجستير في جامعة أوبسالا في الاستخدام الدوائي، ومن هذا المنطلق أود التاكيد أن الحصول على الشهادة الجامعية في المهجر ليست مجرد سلاح فقط، بل هي تحدي وإثبات ووجود لقدراتنا، كنساء من أصول مهاجرة لدينا العديد من القدرات التي يجب اثباتها على أرض الواقع ويتحقق ذلك من خلال حضورنا الفعلي

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى