علاء البرغوثي – رئيس تحرير منصة ألوان أوروبا الإعلامية
تعيش معظم الأحزاب اليمينية المعادية للمهاجرين حالة من النشوة فيما يتعلق بتزايد عدد مناصريها في أوروبا، ولا يغيب عن بالنا النصر الذي وصف بالتاريخي لحزب “التجمع الوطني” بزعامة مارين لوبان بعد أن حصل حزبها على نسبة 18.8 بالمئة من مجمل الأصوات في الانتخابات البرلمانية الفرنسية قبل أسابيع.
المتابع للمشهد العام يرى أننا نسير على منحنى متصاعد نحو توسع العنصرية في أوروبا، لكن الاختلاف هنا: هل نحن نتجه نحو الذروة؟ أم أننا في بداية المنحى وأن المزيد من العنصرية والكراهية ستسود المجتمعات الأوروبية؟
مما لا شك فيه أن “عرب أوروبا” سيدفعون الفاتورة الأكبر من تابعات ذلك، ولأسباب متعددة أبرزها أن جميعهم من أصول مهاجرة بالنسبة للعنصريين وأغلبهم من دين مختلف يعاديه الكثير من المتطرفين في أوروبا.
ولقراءة المشهد بشكل واضح علينا أن نكون واعين للواقع الجديد والتطور الذي حصل على “عرب أوروبا” خلال الأعوام العشر الأخيرة، فلا يصح أن نبني سيناريو بالاعتماد على المعطيات القديمة، خاصة بعد أن حصل مئات الآلاف من القادمين الجدد إلى ألمانيا وهولندا والسويد والدنمارك وفرنسا وغيرها من الدول الأوروبية على جنسيات تلك الدول، ويحسب لتلك الفئة مستواها التعليمي العالي واندماجها السريع في مجتمعاتها وتحقيق حضور واضح في العمل السياسي والمدني.
وبالعودة للمشهد الذي نراه اليوم فباعتقادي أن “عرب أوروبا” يمتلكون القدرة على إبطاء تنامي العنصرية والتيارات الشعبوية الداعمة لها، وذلك في حال تم استثمار الإيجابيات المتوفرة لدىهم بالشكل الأمثل، وهنا سأذكر بعض النقاط التي يمكن أخذها بعين الاعتبار:
- أولاً: التأكيد على المساواة بالمواطنة بين الجميع وخاصة فيما يتعلق بالمساواة بالحقوق والواجبات، ورفض أي تصنيف مباشر أو غير مباشر يميز بين المواطنين في هذا البلد أو ذاك فالجميع شركاء ولا يحق لأي جهة أن تشكك بوطنية أحد بحجة أنه أو والده أو جده من أصحاب الأصول المهاجرة، أو بحجة انتماءه لهذا الدين أو ذاك.
- ثانياً: المشاركة الفعالة في الحقل السياسي سواء الحزبي أو النقابي أو المجتمعي، والعمل على التواصل مع السياسيين والإعلاميين والمؤسسات الإعلامية للتصدي للروايات السلبية والنمطية التي يحاول العنصريون نشرها عن “عرب أوروبا”، والابتعاد عن ردود الأفعال غير المدروسة عند التعامل مع المجتمع ووسائل الإعلام والذي قد يضر أكثر مما ينفع.
- ثالثاً: تعزيز العمل المشترك والتعاون بين المؤسسات والجمعيات والفعاليات والأحزاب المعنية بقضايا المواطنة والحريات، والتعاون على أساس المشاركة ورفض أي تقوقع أو انفصال عن المجتمع.
- رابعاً: الاهتمام بالجانب القانوني والحقوقي فيما يتعلق برصد الانتهاكات العنصرية التي يتعرض لها أصحاب الخلفيات المهاجرة في البلدان الأوروبية، لأن كثير من الجهات المؤسسات الأوروبية لا تعتمد إلا على الاحصائيات والمعلومات الموثقة في تعاملها مع أي قضية.
- خامساً: الاهتمام بالجانب الثقافي وإبراز الحضارات العربية، والعمل على تعزيز التواصل عبر الأدوات التي تناسب الجمهور الأوروبي من عمل مسرحي وغنائي وسينمائي وترجمة الكتب من اللغة العربية إلى اللغات المحلية، فالمسار الثقافي هو من أهم الطرق التي تمكننا من تعريف المجتمعات الأوروبية بالحضارة العربية، والتصدي للصورة النمطية التي يحاول العنصريون رسمها لكل من له أصول مهاجرة.
- سادساً: تسليط الضوء على مساهمات أصحاب الخلفيات المهاجرة في بناء مجتمعاتهم الجديدة، وهذه النقطة تكون من مسؤولية العاملين في الحقل الإعلامي خاصة الناطق باللغات المحلية للبلدان الأوروبية، فللأسف حتى اللحظة لا يوجد توازن بالتغطية الإعلامية المحلية للقضايا المتعلقة بأصحاب الخلفيات المهاجرة حيث يتم التركيز على السلبيات بشكل مضاعف عن الإيجابيات
في الختام علينا أن نعي جيداً أن المرحلة المقبلة شديدة الحساسية والخطورة وأننا كعرب في أوروبا أمامنا الكثير من الأيام الصعبة والتحديات الكثيرة التي تطال الجميع دون استثناء فالتيار العنصري بطبيعته يكره الآخر دون أن يميز بين فئاته لا على المستوى البلدان أو الأديان أو الانتماءات السياسية، وهذه نقطة هامة تتطلب من كل ناشط أو مهتم أن يقف عندها والعمل على الترفع عن الخلافات الضيقة والأنانية التي من شأنها أن تخرب أي عمل مضاد للعنصرية.
الرابط المختصر للمقالة: https://wp.me/pdQqK8-FP