fbpx
تحقيقاتمجلة ألوان أوروبا - العدد الأولمحمد فارس

عن راسموس بالودان حارق المصاحف المتجول

عن راسموس بالودان حارق المصاحف المتجول

خاص لمنصة ألوان أوروبا الإعلامية – الصحفي محمد فارس عن راسموس بالودان حارق المصاحف المتجول

إذا ما كان هناك من شخص تنطبق عليه عبارة “أكون أو لا أكون” التي قالتها شخصية هاملت في مسرحية وليام شكسبير، فهي  السياسي الدنماركي-السويدي اليميني راسموس بالودان. فالرجل الذي ترعرع في مدينة هيلسنكور، أو إيلسينور كما سماها شكسبير، يحاول إثبات ذاته في الحياة السياسية في السويد بعد أن فشل فيها في الدنمارك.

تلاحقه فضيحة محادثات جنسية مع أطفال عبر الإنترنت. وفي سجله عقوبات بالسجن بجرائم عنصرية. أُدين بتهم القذف والإهمال في القيادة. مُنع من ممارسة المحاماة لأعوام، وتورط في محاولة تزوير انتخابات 2019 في الدنمارك. وبرغم ذلك يصرّ بالودان على حرق المصحف لحشد مناصريه ليدخل البرلمان السويدي.

ومع انشغال السويد بتداعيات الحرب في أوكرانيا، انهمك بالودان، رئيس حزب “سترام كورش” (النهج الصلب) الدنماركي-السويدي اليميني المتطرف، بحملته الانتخابية لدخول البرلمان السويدي الخريف المقبل بتظاهرات حرق المصاحف.

ويؤمن بالودان، 40 عاماً، بـ”الصفاء العرقي في الدنمارك” وبأن السويد، التي لا يزيد عدد المسلمين فيها عن 10 بالمئة من عدد السكان، تشهد “عملية أسلمة أكثر تطوراً مما هي عليه في الدنمارك”.

يحتاج حزبه إلى 20 ألف توقيع ليتمكن من دخول الانتخابات. ولذلك سينظم أكثر من 50 مظاهرة لحرق المصحف في الدنمارك والسويد. وفشل بفارق ضئيل في انتخابات 2019 في الوصول إلى البرلمان والبالغة 2 بالمئة من إجمالي الأصوات جمع منها 1.8 بالمئة. ويزعم أفراد حزبه أنهم ينأون بأنفسهم عن “الإيديولوجيات العنيفة”.

أحرق مصحفاً في مالمو في شباط / فبراير مستغلاً مظاهرات احتجت على سياسة “سحب الأطفال” من قبل السلطات السويدية. وعاد إلى دائرة الاهتمام مؤخراً إثر اندلاع أعمال شغب في مدن ذات كثافة مهاجرة احتجاجاً على حرقه المصحف.

راسموس بالودان حارق المصاحف المتجول

أدانت رئيسة وزراء السويد، ماغدالينا أندرسون، أعمال الشغب قائلة إنها استهدفت الشرطة “التي تدافع عن الديمقراطية” وتتمتع “بكامل الدعم الحكومي والمجتمعي”.

وتراوحت ردود الفعل على بالودان بين السلمية والعنيفة. ومع توقُّع أن يلجأ لتصعيد نشاطه، بات لزاماً على الجالية المسلمة في السويد والدنمارك تحديد منهج للتعامل مع حرق المصاحف.

ومن المفيد التذكير أنه غالباً ما تكون وراء ردود الأفعال العنيفة جهات سياسية تشجعها وتستغلها وتستفيد منها. فعلى سبيل المثال، في شباط / فبراير عام 2006، قالت عدة مصادر إن السلطات السورية سمحت لمحتجين بإحراق سفارتي الدنمارك والنرويج وتخرب سفارتي السويد وتشيلي بدمشق. كما هاجم محتجون سفارتي الدنمارك والنمسا في طهران؛ وأحرق آخرون القنصلية الدنماركية في بيروت. احتجاجات أتت على إثر نشر رسوم كاريكاتورية تسخر من نبي الإسلام محمد في صحيفة دنماركية؛ ثم انتشار شائعات عن عزم دنماركيين حرق المصحف في كوبنهاغن.

يومها كان دمشق تحاول أن تكسر العزلة التي فرضها عليها المجتمع الدولي إثر اتهامها باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. كما كانت طهران غير راضية عن طريقة تعامل الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع برنامج إيران النووي.

واكتسبت الردود العنيفة على بالودان اهتماماً محلياً وعالمياً خصوصاً مع بدء خضوعه لحماية مستمرة من قبل الشرطة. وحكم القضاء الدنماركي بسجن رجل حاول طعن بالودان عام 2020 وكان من المقرر ترحيله. كما نالت احتجاجات مالمو في آب / أغسطس 2020 اعتراضاً على حرق بالودان للمصحف تغطية إعلامية عالمية. وينجم عن أعمال الشغب تلك، إلى جانب الصورة السلبية التي يظهر فيها المنخرطون فيها، إصابات في صفوف عناصر الشرطة وتخريب لمرافق عامة وحكام بسجن المشاركين فيها.

وبالنظر إلى ردود الأفعال السلمية المتفرقة، نجد أنها لاقت اهتماماً إعلامياً أقل تركيزاً. فقد قرع كاهن أجراس كنيسة في مدينة يونشوبينغ للتشويش على مظاهرة لبالودان ما اضطره للمغادرة.

في المقابل، دعت جهات إعلامية ومؤسسات إسلامية في السويد الجمعيات والمنظمات الحقوقية الإسلامية إلى “رفع دعاوى أمام القضاء ضد بالودان وبسن قوانين تحمي المسلمين ورموزهم الدينية”.

ويجرم القانون السويدي التحريض على المجموعات العرقية فيما يكفل الدستور حرية التعبير.

لكن اختزال بالودان بوصفه بحرق المصحف لا يكفي لفهمه. فسيرته تظهر تفوقاً دراسياً ومهنياً حيث درس الحقوق وعمل في أحد أكبر مكاتب المحاماة في الدنمارك وتدرب في المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي. كل ذلك بالرغم من عملية جراحية في الدماغ خضع لها بعد أن صدمته سيارة عام 2005. وأدى الحادث إلى إصابة دماغية جعلته يعاني من أحد أشكال القصور الإدراكي الذي أثر على سلوكه. دراسته للقانون وسلوكه القنوات الشرعية أربك خصومه.

لكن تصرفاته ستستلزم من السويد تخصيص بميزانية ليست بالقليلة. ولتقديرها يجدر النظر إلى أنه ما بين عامي 2008 و2011، أنفقت الشرطة السويدية سنوياً حوالي 6 ملايين كرونة سويدية (923 ألف دولار أمريكي) لحماية الرسام لارش فيلكس المعروف برسومه الساخرة من النبي محمد.

لقد بات لزاماً على الجهات التي تزعم تمثيل المسلمين في السويد أن يجترحوا حلولاً غير التي تعودوا عليها. فحرق المصاحف لا يبدو أنه سيتوقف. ومن المؤسف أن فرداً يميناً متطرفاً وصل إلى هدفه باستفزاز الجاهلين.

زر الذهاب إلى الأعلى