fbpx
عدنان أبو شقرةمجتمعمجلة ألوان أوروبا - العدد الأول

المهاجرون بين التأثير و التهميش السياسي – عدنان أبو شقرة

المهاجرون بين التأثير و التهميش السياسي | الصحفي عدنان أبو شقرة

من الإشكاليات الكبيرة التي تواجه السواد الأعظم من المهاجرين في دول المهجر بشكل عام و في السويد بشكل خاص، هو كيفية الإندماج في المجتمعات التي قدموا إليها دون الذوبان المطلق فيها، وهذه الإشكالية تظهر بشكل كبيرفي تدني نسبة مشاركة المهاجرين في الأحزاب السياسية والأنشطة  السياسية لهذه الاحزاب، وأهمها المشاركة في الإنتخابات وعمليات الاقتراع سواء تصويتاً او ترشيحاً.

فإنّ قسماً كبيراً من المهاجرين يهتمون فقط في الجانب الاقتصادي، أي العمل وجني الأموال، دون الإلتفات أو إعطاء الأهمية للمشاركة في الحياة السياسية العامة، وبالرغم من أنّ نسبة المشاركة في الفترات الأخيرة زادت بشكل كبيرٍ مقارنةً بالفترات السابقة إلّا أنّ عملية التصويت لا تزال عند المهاجرين أقل بكثير من المشاركين السويديين.

 وهناك عدة أسباب للعزوف عن المشاركة فيها، منها:

  1.  عدم تحدث لغة البلد، والعيش في مناطق أكثرية سكّانها من المهاجرين، جعلهم يشعرون بأنهم ليسوا جزءاً من المجتمع.
  2. حلم العودة عند البعض منهم الى البلد الأم، يجعل النظر للحياة في السويد كحياة مؤقتة. لذا لا داعي للدخول في الحياة السياسية، ويكفي الدخول فقط في الحياة الاقتصادية، وهذا انعكس حتى على الشباب المولدين في السويد وإن بشكل ليس كبيراً.
  3. المشاركة في العملية الإنتخابية تتطلب ديمقراطية وحرية، وهذا ما لم يكن متاحاً للكثير من هؤلاء المهاجرين في الوطن الأم. خصوصاً، أن العمل السياسي في الوطن الأم ، كان مأساة بالنسبة للبعض منهم.
  4. عدم اهتمام الأحزاب السياسية في السويد بهؤلاء المهاجرين، وعدم تقديرهم لقيمة وأهمية أصوات المهاجرين.
  5. الشعور بالتمييز العنصري عند البعض، يسبب ابتعاداً عن المجمتع وعدم الثقة بمؤسساته.
  6. سوء الواقع الإقتصادي، والإجتماعي، والتعليمي في مناطق تواجد المهاجرين.
  7. خوف البعض من تبعات العمل السياسي عليه وعلى عائلته خصوصاً في بلده الأصلي.
  8. الإحباط، وعدم الثقة بإمكانية التغيير رغم إنّ الواقع أثبت العكس، ومثالاً على ذلك ما حصل مع الفتاة من الأصول الصومالية، ليلى علي علمي من مدينة يوتيبوري، والتي بالرغم من وجود اسمها في نهاية القائمة الإنتخابية، استطاع الصوماليون التصويت لصالحها وإدخالها البرلمان السويدي.
  9. تضارب مواقف الأحزاب الدينية من قضية الديمقراطية والمشاركة في الإنتخابات، انعكست سلباً عند المهاجرين.

فمثلاً، حزب التحرير الإسلامي، يُحرّم المشاركة في الإنتخابات البرلمانية، وذلك سبّب عزوف الموالين له من المشاركة بشكلٍ فاعل في الإنتخابات. بينما جماعة الإخوان المسلمين ومن يتعاطف معها تحضُّ الجميع على الدخول في الأحزاب السياسية والمشاركة الديمقراطية.

النظام الإنتخابي السويدي

أقرّت السويد سنة 1976 قانوناً، يجعلها البلد الأول في العالم، الذي يستطيع فيه أي شخص حصل على إقامة وأقام في بلدية ما لمدة سنتين أن يشارك في انتخابات البلدية والمحافظة هذا القانون أُقر منذ عام 1976 .

أما بالنسبة للمجلس النيابي، فالمفروض الحصول على الجنسية السويدية للتصويت والترشيح. وتدعوا القوانين الأساسية السويدية الى احترام التّنوع من الناحية الدينية والإثنية والجنسية والعرقية، مما يفسح  في المجال للجميع للمشاركة في العملية الانتخابية.

الإنتخابات الأخيرة

وفي نظرة سريعة على نتائج الإنتخابات السويدية الأخيرة، التي جرت عام 2018، حسب لجنة الإنتخابات السويدية، نرى انّ نسبة التصويت على صعيد السويد قارب التسعون في المئة، ولوأخذنا نسبة مشاركة المهاجرين فإنها تراوحت في بعض مناطق تواجدهم ما بين الخمسون بالمئة والخمس والستون بالمئة،  وإذا نظرنا إلى نسبة عدد المهاجرين في السويد، فإنها تصل الى عشرين بالمئة من عدد السكان. وهذا يعني بإمكانية وجود حوالي 75 نائباً (عدد النواب في البرلمان السويدي هو 374) من أصول مهاجرة في البرلمان في حال مشاركة المهاجرين. ولكن للأسف، فالنتائج كانت مخيبة للأمال لعدم المشاركة الفعلية للمهاجرين.

لو نظرنا الى نتائج الإنتخابات التي حصلت في المدن الكبرى، كالعاصمة ستوكهولم، والتي بلغت نسبة التصويت فيها حوالي التسعين بالمئة، بينما في منطقتي الرينّكبي وسبونغا ذات الأغلبية الكبيرة للمهاجرين، فإنّ المشاركة لم تتجاوز نسبة  الخمس وخمسون بالمئة.

وكذلك في مدينة مالمو، التي هي ثالث المدن السويدية تعداداً للسكان، والتي يبلغ فيها نسبة المهاجرين ثلاثون بالمئة على أقل تقدير من مجموع السكان. فقد وصلت نسبة المشاركة للسكان السويديين تسعون بالمئة، بينما في المناطق ذات الأغلبية المهاجرة، فقد تراوحت المشاركة ما بين خمسون الى خمس وستين بالمئة، كمنطقتي هولما وأبلغورد.

ومثال اخر، مدينة لاندسكرونا والتي يتواجد فيها عدد كبير من المهاجرين، فأن نسبة تمثيلهم في المجلس البلدي لم تتجاوز الأحد عشر بالمئة. وهذا الحال ينعكس على كثير من المدن والبلدات السويدية.

هذا لا يعني أنّه ليس هناك تجارب ناجحة لشعوب مهاجرة أخرى، فمثلاً، الأكراد استطاعوا إيصال الكثير من طرفهم الى مجلس النواب، حتى أصبح عدد النواب الأكراد في البرلمان السويدي هو الأكبر بعد برلمان كردستان العراق. وكذلك الحال، بالنسبة للإيرانيين الذين وصل بعضهم إلى مجلس الوزراء.

نتائج عزوف جزء كبير من المهاجرين عن المشاركة السياسية أدى إلى:

  • صعود الحزب العنصري “السويديون الديمقراطيون”  بشكل غير مباشر واستلامه للسلطة في بعض البلديات حيث تحالف مع اليمين التقليدي وهذا التحالف استطاع أن يفرض قوانين على المهاجرين رغم أنها تتعارض مع القانون السويدي الأساسي، منها منع ارتداء الفتيات المسلمات للحجاب في بعض المدارس، كما حصل في مدينة سكوروب في جنوب السويد.
  • عدم إدراك المهاجرين لأهمية مشاركتهم السياسية وتأثيرها، ليس فقط على الصعيد الداخلي، بل على صعيد السياسة الخارجية والمتصلة بقضايا موطنهم الأول. باستثناء الأكراد، الذين استطاعوا في كثيرٍ من الأحيان، الضغط على بعض الأحزاب السياسية، لأخذ مواقف داعمة لقضاياهم. ولا ننسى ما حصل في انتخابات رئيسة الوزراء السويدية الحالية مجدالينا أندشون، حينما احتاجت الى صوت عضو البرلمان أمينه كاكابفي الكردية لتفوز برئاسة الحكومة.

المطلوب حالياً

لذا وبناءاً على ما سبق، المطلوب منا كمهاجرين وخصوصاً كعرب أن نبدأ أولاً، باعتبارأنّ السويد هي بلدنا الثاني. لنا فيها نفس الحقوق والواجبات وحتى لو كان هناك بعض النجاحات الفردية، إلاّ أنّه من الضروري أن نأخذ دورنا بفاعلية وذلك عن طريق:

  1. الدخول في الأحزاب السياسية السويدية، وتشجيع شبابنا على الإنخراط بها، فبدون تواجد سياسي حقيقي لنا، لن يكون للمهاجرين صوتاً مسموعاً.
  2. الطلب من هذه الأحزاب، أن تأخذ بعين الإعتبار ظروف المهاجرين. وأن تترجم برامجها الى لغاتهم ليستطيعوا فهم برامجها.
  3. الضغط على الأحزاب السياسية عن طريق مقايضة أصوات المهاجرين، مع ما تستطيع هذه الأحزاب أن تقدمه لهم، وذلك عن طريق دعوتهم الى لقاءات في مناطق تواجد المهاجرين ليروا بأنفسهم الوضع هناك.
  4. تشجيع المهاجرين للإنخراط في اللجان الإنتخابية المشرفة على الإنتخابات.
زر الذهاب إلى الأعلى